00963-942-374376 WhatsApp

السويداء بندقية معلقة على كتف التاريخ

السويداء ليست محافظة على هامش الجغرافيا، بل بندقية معلقة على كتف التاريخ. وكل من مر من بوابات القصر الجمهوري، كان ينظر إلى الجبل نظرة مزدوجة: نظرة إعجاب بشجاعة لا تشترى، ونظرة ريبة من استقل لا يروض. منذ أن عرفنا شيئا اسمه “الدولة السورية”، كانت السويداء حالة خاصة، كما لو أنها لا تنتمي إلى الخرائط بل تنتمي إلى الذاكرة. لم تكن تشبه أحدا، ولم تحاول أن تشبه، لا في انتمائها ولا في تمردها، لا في صراخها ولا في صمتها.

من الأتراك إلى البعث… الجبل لا ينحني
من العثمانيين، الذين رأوا فيها جبلا صعبا لا يؤمن جانبه، إلى الفرنسيين الذين جربوا إذلاله مرارا، إلى ما بعد الاستقلال، حين تحول الحاكم من محتل خارجي، إلى شقيق عربي يتقن القمع بلكنة وطنية. منذ الرئيس الأسبق أديب الشيشكلي وحتى حافظ الأسد، لم تكن السويداء إلا شوكة في حلق السلطة، ليس لأنها تكره الحكم، بل لأنها ترفض أن تعامل كالقطيع. لم تكن السويداء تشبه أحدا، ولم تحاول أن تشبه، لا في انتمائها ولا في تمردها، لا في صراخها ولا في صمتها منذ زمن سلطان باشا الأطرش، علم الجبل أن الكرامة لا تقسم على مقاسات الرؤساء، وأن الوحدة الوطنية لا تبنى بالسجون بل بالعدالة.

حافظ الأسد: الوجه البارد للغدر الهادئ
في عهد حافظ الأسد، تعلمت السويداء أن القمع قد يأتي مبتسما. تفتح لك بوابة الأمن، ويقدم لك الشاي.. ثم لا تخرج أبدا. كان الجبل يراقب، يراقب كيف توزع الثروات، وكيف تكسر الجبهات. وكان يدرك أن النظام لا يريد منه شيئا سوى الصمت، صمت الأحياء، وصمت الأموات. لكن الجبل لم يصمت.. كان فقط ينتظر. بشار الأسد: التملق بدل المواجهة مع بداية عهد بشار، بدت العلاقة كأنها مصالحة. رئيس “شاب”، يتكلم بلغة “عصرية”، يرسل الوفود، ويبتسم في اللقاءات. لكنه ترك الأجهزة الأمنية تفتك بكل نفس حر، وتركت وزارة الدفاع السويداء فارغة من الهيبة، حتى باتت تعامل بوصفها مستودعا بشريا، لا بوصفها محافظة. الجبل متصلب والسلطة لا تتعامل بذكاء بل بكسر شوكة الجبل نصل اليوم إلى ما يحدث الآن، حيث المشهد أكثر فوضوية، الجبل متصلب والسلطة لا تتعامل بذكاء بل بكسر شوكة الجبل. تتأرجح السويداء اليوم بين سلطة النظام المركزية، وبين من يسمون أنفسهم “الضامنين”، “الزعماء الجدد”، أو “قادة المصير”.

أحمد الشرع والحكومة المؤقتة
ظهر فجأة الرئيس ببدلة داكنة، وربطة عنق وقال إنه يريد أن يبني “دولة القانون”. لكنه منذ لحظة ظهوره، جمع بوتقة من ألوانه فقط ولم يقنع الجبل بأنه مختلف؛ دستور سلطوي، ولون واحد من دون تشاركية وإن كانت نياته حقيقية للتغير فما يحدث عكس ذلك. اللغة نفسها، التسميات نفسها، الصمت نفسه عن الإهانات. انقطع الخيط بين الجبل والسلطة لأن السلطة لم تفهم أن لغة الإذلال هي الحائط الذي تتحطم عنده كل الدماء في الجبل نقطع الخيط بين الجبل والسلطة لأن السلطة لم تفهم أن لغة الإذلال هي الحائط الذي تتحطم عنده كل الدماء في الجبل، نتف الشارب في الجبل ليس إذلالا وقتيا، إنه ارتداد في الهوية إلى أعماق الروح ومحاولة كسرها. هذه الأفعال لا تجدي نفعا، وهنا لا أدافع عن الشيخ الهجري وكنت أتمنى من كل قلبي لو أنه اكتفى برأيه مواطنا ولم يخرج على الإعلام وترك الأمر لشخصيات مدنية، لكن نمط السلطة وخطابها، هو من جر إلى كل ذلك، إلى شيوخ الدين، ليتم تصدرهم المشهد، مع فشل القوى الوطنية في الظهور. السويداء ليست مشكلة، لكنها ليست حلا سهلا. الآن، يحاول بعضهم أن يعيدنا إلى الفخ نفسه: “السويداء لا تعجبها العهود”، “السويداء ترفض كل شيء”، “السويداء طائفية، انعزالية”.. لكن الحقيقة أن السويداء تبحث عن صيغة، تعيش فيها مرفوعة الرأس، تحرس حدود الدولة، لكن لا تتنازل عن حدود كرامتها.

الجبل لا يركع.. بل يحاور. وها نحن اليوم في مفترق جديد، حيث البلاد تعج بالطائفية، والنظام يبحث عن الاستثمارات الخارجية ويصم أذنيه عن ما يحدث من انتهاكات، والسويداء تسأل من جديد: هل المطلوب أن نهان كي يعترف بنا؟ هل يجب أن ينزع سلاحنا كي نصبح رقما من ضحايا التعذيب والقتل الطائفي. كنا نقف في المنتصف، لا نحني الرأس، ولا نطلق النار إلا دفاعا عن أنفسنا. أنا لا أكتب نصا نكوصيا، ولا أقول إن الجبل طاهر والآخرين أشرار، لكنني أقول: لا تهينوا السويداء ولا تحاولوا كسر شوكتها فهي لا تدار.. بل تفهم. ولا تخضع بل تحاور. ولا تهان لأنها ببساطة، لا تسامح. اذا كان هناك من أمل في السلطة الجديدة فيجب أن تعي ذلك وتدعو إلى حوار وطني متكامل بنيات طيبة هذه المرة. مقتبس من العربي الجديد.