تؤكد دراسة تحليلية لمركز مالكوم كير– كارنيغي الأمريكي، أن “الدروز يشكلون جزءًا لا يتجزّأ من عملية بناء الدولة في سوريا”، كما أن “مسألة نزع سلاحهم ودمجهم في الدولة – أو عدم حدوث ذلك – يشكل معيارًا لقوة القيادة في دمشق”، ونبهت الدراسة أن دولة اسرائيل تعمل على تقسيم سوريا، في ظلّ التزامها بمنع التهديدات بالقرب من حدودها.
تسليم السلاح او تركه هذا ما يعنيه لدمشق
قدمت دراسة للباحث أرميناك توكماجيان، نشرها مركز كارنيغي تحت عنوان “ردود فعل الدروز في سوريا”، سيناريوهات المستقبل في سوريا بعد تولي احمد الشرع رئاسة البلاد عقب الإطاحة بنظام بشار الأشد، وكيفية التعامل مع معضلة طائفة الدروز، وتقول الوثيقة البحثية “يشكّل الدروز جزءًا لا يتجزّأ من عملية بناء الدولة في سورية. وتشكّل مسألة نزع سلاحهم ودمجهم في الدولة – أو عدم حدوث ذلك – معيارًا لقوة القيادة في دمشق. فقد حاول القادة السوريون، منذ الانتداب الفرنسي وخلال الولايات الرئاسية لكلٍّ من شكري القوتلي وحسني الزعيم وأديب الشيشكلي في خمسينيات القرن الماضي، دمجَ الدروز بالقوة في الدولة المركزية، لكنهم إمّا فشلوا في ذلك أو حقّقوا نجاحًا محدودًا. وشهدت العلاقة بين الطائفة الدرزية والدولة تحسّنًا خلال حكم حزب البعث، ولم يحدث ذلك بالإكراه، بل لأن الكثير من الدروز اعتبروا هذا الحزب قادرًا على تشكيل مستقبل سورية. وهذه عبرٌ قيّمة ينبغي على قادة سورية الجدد أخذها في الحسبان”.
نهجان للدروز اتجاه الحكومة السورية
وعرجت الدراسة عن الاضطرابات الأخيرة التي حصلت مؤخرا في مدينة جرمانا –معقل الدروز-، وقالت “تكشف الأحداث الأخيرة أيضًا عن اتّباع الدروز نهجَين مُتباينَين في التعامل مع القيادة السورية الجديدة، تتبنّاهما جهاتٌ محلية مختلفة وتدعمهما سلطاتٌ درزية منفصلة. يجسّد أحدَ النهجَين الزعيمُ الديني الشيخ حكمت الهجري، الذي يتّخذ موقفًا متشدّدًا بشكلٍ متزايد في التعامل مع الإدارة الجديدة. فقد صرّح الهجري بأن الحكومة في دمشق “مطلوبة للعدالة الدولية”، ووصف الأحداث الأخيرة في سورية بأنها “هجمة إبادة” ضدّ أبناء طائفته، وطالب كذلك بتدخّل قواتٍ دولية لحفظ السلم في البلاد. ويتماشى موقف الهجري مع الشيخ موقف موفّق طريف، الرئيس الروحي للطائفة الدرزية في إسرائيل، الذي تربطه علاقات وثيقة بالحكومة الإسرائيلية”، وتتابع “في المقابل، تبنّت شخصيات دينية، على غرار الشيخ حمود الحناوي والشيخ يوسف جربوع، إلى جانب أصوات شابّة مثل الشيخ ليث البلعوس، نهجًا أكثر تصالحيةً تجاه السلطات السورية الجديدة. وخلال الاشتباكات التي شهدتها مدينة جرمانا، أجروا مفاوضات مع الدولة، على عكس الهجري. وقد أيّد هذا النهج الزعيمُ الدرزي اللبناني وليد جنبلاط، الذي يُعدّ مرجعيةً إقليمية مهمّة للطائفة الدرزية. وانتقد علنًا انخراط الشيخ طريف المتنامي في شؤون الدروز السوريين، بدعمٍ من اسرائيل، وسعيه إلى توريط الدروز في “حربٍ لن تنتهي ضدّ المسلمين”، على حدّ تعبير جنبلاط. وقد تؤدّي هذه الحصيلة إلى تداعياتٍ خطيرة على كلٍّ من السوريين واللبنانيين.
الدروز لن يسلموا سلاحهم للحكومة
مع ذلك، يبدو أن الفصائل الدرزية تُجمع على ضرورة الحفاظ على سلاحها، على الأقل في الوقت الراهن. كان هذا صحيحًا قبل الأحداث الأخيرة ولا يزال كذلك بعدها. ويعكس هذا الواقع قلقًا أعمق إزاء الوضع في سورية بسبب انعدام الاستقرار في مختلف أنحاء البلاد، وتأثيره على الأقلّيات بشكلٍ خاص. فنشاط الفصائل المسلحة الخارجة عن السيطرة وتصاعد الخطاب الطائفي قد يتسبّبان بحدوث المزيد من أعمال العنف، ولا سيما في ظلّ دولةٍ سوريةٍ ضعيفة غير قادرة على كبحهما. وقد برزت خلال الأحداث الأخيرة محاولاتٌ لشيطنة الدروز وصدرت دعواتٌ عفوية لإبادتهم.
من الناحية النظرية، تذكر الوثيقة البحثية للمركز الأمريكي، “قد يبدو تسليم السلاح إلى القيادة الجديدة مقابل الحصول على الحماية والمكافآت والمناصب والاضطلاع بدورٍ في بناء الدولة، خيارًا جذابًا. لكن في ظلّ الأوضاع غير المستقرة في سورية، يُنظر إلى الاعتماد على حكم الشرع الهشّ على أنه محفوفٌ بالمخاطر على نطاق واسع. وستكون الأقلّيات، مثل الدروز، معرّضةً للخطر من دون سلاحها. فالمشكلة ليست غياب دولةٍ فاعلةٍ أو حكم القانون، بقدر ما هي فقدان الثقة الشديد في السلطات الحاكمة. ففي العام 2015، ارتكبت جبهة النصرة، التي أصبحت لاحقًا هيئة تحرير الشام، مجزرةً بحقّ الدروز في إدلب، بينما أسفر تفجيرٌ انتحاري نفذّه أحد عناصر جبهة النصرة في العام 2017 عن مقتل تسعة أشخاص وإصابة 23 آخرين في بلدة حضر ذات الغالبية الدرزية”.
اسرائيل واستخدام الدروز
عن الدروز ومخططات دولة اسرائيل، تقول الدراسة” ترى إسرائيل أن سوريا التي تحكمها جماعةٌ إسلامية متطرّفة مدعومة من تركيا وقطر والسعودية، تشكّل قنبلة موقوتة. لذا، تفضّل السعي إلى تقسيم سورية، في ظلّ التزامها بمنع التهديدات بالقرب من حدودها. فانتشار الجماعات المتطرّفة في الجنوب السوري، سواء تحت غطاء الدولة السورية أو غيرها، قد يطرح تهديدًا مُحتملًا لإسرائيل، إذ يمكن أن تنسّق هذه الفصائل جهودها مع جهاتٍ محلّية أو إقليمية للتأثير في الأمن الإقليمي. تُظهر الصراعات الدائرة في غزة ولبنان وسورية استعدادَ إسرائيل للذهاب إلى أبعد مدى في سبيل فرض خطوطها الحمراء”.
وتؤكد الدراسة أن لإسرائيل مخططا لتقسيم سوريا، حيث أورد صاحب الدراسة “يقع الدروز في صميم الديناميات. فالشرع يعمل على توطيد أركان حكمه عبر إعادة دمج مناطق الحكم الذاتي ضمن الدولة المركزية، من خلال نزع السلاح داخل هذه المناطق في المقام الأول. في جرمانا وصحنايا والسويداء، طالب الشرع الجماعات المسلحة المحلية بتسليم أسلحتها، ما أدّى إلى ردٍّ إسرائيلي عدواني وغير متكافئ.
يُعزى سبب هذا الردّ جزئيًا إلى العلاقات التاريخية القوية بين إسرائيل ومجتمعها الدرزي المحلي، وهو يندرج أيضًا بشكلٍ كبير في إطار المساعي الإسرائيلية الرامية إلى تقسيم سورية. في الواقع، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بصريح العبارة أن بلاده “لن تسمح للقوات [السورية] بالانتشار جنوب دمشق أو [بتشكيل] أي تهديد للدروز”.