00963-942-374376 WhatsApp

لهذا يرفض أهالي السويداء تسليم السلاح

“لا ثقة في الخطاب التعبوي الجهادي ولا حوار قائم على المقايضة على الحقوق”

يؤكد أهالي السويداء أن نزع السلاح منهم ومن أي مكون آخر غير ممكن ما لم تتوفر بيئة سياسية عادلة وضامنة لحقوقهم، وإجراء حوار وطني جامع يبني مشروعًا جامعًا تتجمع حوله مختلف المكونات بتمثيل حقيقي.
ويقول هؤلاء إن إيقاف التوتر ونزع السلاح لا يتم عبر الضغوطات والتحريض الطائفي، بل بالعودة إلى المبادئ التي يُبنى عليها الوطن الحقيقي، سيما وأنهم حملوا السلاح دفاعًا عن الأرض من الاعتداءات التكفيرية والعنف الموجه لهم كطائفة منذ عهد الأسد إلى اليوم.

وقال مالك أبو الخير، الأمين العام لحزب اللواء السوري، في حديث مع المرصد السوري لحقوق الإنسان، إن
الجنوب السوري وبالأخص في الجبل يعيش حالة حرب بقاء لا يمكن التهوين من خطورتها، ومن هذا المنطلق، فإن الحديث عن تسليم السلاح في ظل هذه الظروف غير الواقعية لا يستند إلى أي قراءة مسؤولة للميدان، ولا يتماشى مع منطق البقاء وحماية السلم الأهلي.

وأوضح، “أولاً، لا يمكن المطالبة بنزع سلاح أي مكون اجتماعي ما لم تتوفر بيئة سياسية عادلة وضامنة. في الحالة الراهنة، حكومة الشرع لم تقدم أي مشروع حوكمة تشاركي حقيقي يُطمئن المكونات السورية على مستقبلها وموقعها في الدولة القادمة، ما تم تقديمه تحت مسمى “الإعلان الدستوري” جاء مفصلًا على قياس مجموعة واحدة، هي هيئة تحرير الشام سابقًا، واستُثنيت منه بشكل ممنهج المكونات الوطنية كافة — من علويين، ودروز، وأكراد، وسنة معتدلين، وأحزاب وطنية مستقلة”.

وأورد أن الجنوب يرى في هذا الإعلان محاولة جديدة لإعادة إنتاج السلطة الأحادية، ولكن بلغة مغايرة، تُقصي الآخر وتبني دولة لا تعترف بالتعدد ولا بالحقوق المتساوية.

وتطرق إلى الشرخ العميق المتراكم بين هذه الحكومة المؤقتة والحاضنة الشعبية الدرزية، الذي لم تتم معالجته، بل فاقمته سلسلة من الانتهاكات التي لم تُدان ولم تُحاسب. وبدأت هذه القطيعة من أحداث الساحل، حيث جرى توثيق سلوك طائفي ممنهج من قبل مجموعات مسلحة مشاركة في العمليات إلى جانب الحكومة، وتكرست لاحقًا في جرمانا وصحنايا، حيث شهدنا حالات تعذيب حتى الموت، مثل ما جرى مع الشهيد مهران السلامي، الذي تم تسليم جثمانه مشوهًا دون مساءلة لأي جهة أمنية أو قضائية.

واعتبر أبو الخير أن الأخطر أن الإعلام المحسوب على الحكومة لم يُكلف نفسه حتى عناء الإدانة، بل لجأ إلى تبرير الانتهاكات بنفس الطريقة التي اعتاد عليها النظام السوري السابق، وهذه ليست إشارات مصالحة، بل رسائل طرد معنوي وسياسي لكل من كان يبحث عن أمل في عدالة جديدة.”

وأكد أنه لا يمكن الحديث عن تسليم السلاح بينما مدينة السويداء، الحاضنة الرئيسية للدروز، تتعرض لاعتداءات متكررة من جماعات جهادية تكفيرية، والحكومة نفسها تعترف بعدم قدرتها على ضبطها أو ردعها، “فكيف يُطلب من الأهالي أن يُسلموا سلاحهم في لحظة انكشاف أمني تام، ليصبحوا تحت رحمة تلك الميليشيات الخارجة عن كل قانون أو شرعية؟”

وأضاف، “قد أصبحت لدينا قناعة راسخة، تستند إلى الوقائع، بأن جزءًا كبيرًا من تركيبة هذه الحكومة الجديدة يضم عناصر غير منضبطة، بل وتحمل خطابًا تكفيريًا واضحًا، كما يظهر في العديد من الفيديوهات والتصريحات الرسمية والإعلامية الصادرة عنهم. هؤلاء لا يتحدثون بلغة الدولة المدنية، بل بلغة “الغلبة”، والإقصاء، واستدعاء الإسلام السياسي كمظلة حكم، وهذا ما يُعد تهديدًا وجوديًا لنا ولسوريا كلها، كدولة متعددة، يسود فيها القانون لا الفتوى، والدستور لا الغلبة، ولا نرى فيما يسمى “بنية الأمن والجيش الجديد” أي مؤشرات على بناء مؤسسة وطنية جامعة، بل ما يظهر للعلن هو خطاب تعبوي جهادي عقائدي، لا يطمئن أي مكون غير مندرج في هذه المنظومة. لا يوجد مشروع جيش وطني، بل جهاز أمني عقائدي يُعيد إنتاج عسكرة الفكرة لا احترافها، ويهمش المكونات بدل أن يدمجها”.

وواصل، “لهذا كله، فإن موقفنا الرافض لتسليم السلاح ليس موقفًا عدائيًا تجاه فكرة الدولة، بل على العكس تمامًا: هو موقف وطني عقلاني نابع من الإيمان بأن لا أمن دون عدالة، ولا عدالة دون تمثيل حقيقي، ولا تمثيل دون شراكة، ولا شراكة دون دستور جامع يحكم السوريين جميعًا على قدم المساواة”.

أما بالنسبة إلى الحوار مع دمشق، قال، “إننا لسنا ضد أي حوار وطني شامل، لكننا نرفض الحوار الذي يقوم على الإملاء أو المقايضة على الحقوق. إذا كان هناك حوار، فليكن وفق مرجعية واضحة، تضمن وحدة سوريا، وعدالة مؤسساتها، ومحاسبة المتورطين في الانتهاكات، أياً كان موقعهم، وفوق ذلك، إعادة الاعتبار للمواطن السوري كعنصر فاعل لا تابع”.

وفي سؤال المرصد السوري، عن تصريحات الدروز أنهم لن يكونوا ضحايا تركيا في مشروع الشرع، والمخاوف المرافقة، بيّن مالك أبو الخير، “بعد سقوط نظام بشار الأسد وتولي أحمد الشرع الحكم، بدا واضحًا أننا اليوم أمام هيمنة كانت بالبداية خفية لتركيا من خلف الكواليس، بدأت تظهر رويدًا رويدًا، وصارت تتضح بأنها أصبحت حالة شبه علنية، بل وصلت إلى حد تصريحات من وزير الخارجية التركي وكأنه هو من يقرر ما يحدث في الشأن السوري، وهذا الأمر يُعد خطيرًا على سياسة الدولة السورية وحرية قرارها. اليوم نريد دولة سورية قادرة على أن تكون حرة ومستقلة في قراراتها، لا أن تصبح تابعة للأجندات التركية، لأن ما يحدث حاليًا يُظهر أن حكومة أحمد الشرع تنفذ أجندات تركية، سياسية واقتصادية، وهذا يُشكل خطرًا كبيرًا على شكل الدولة السورية في المرحلة القادمة، وقد يهدد الاستقرار في السنوات المقبلة”.

أما بخصوص مساعي الدروز لتشكيل حكم ذاتي شبيه بتجربة الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا، أبرز محدثنا أن مسألة الحكم الذاتي كما تُطرح في بعض الأوساط هي قضية تُناقش شعبيًا في السويداء نتيجة شعور متزايد بالتهميش والإقصاء، لكنها لم تُطرح يومًا كخيار رسمي من قبل أي من القيادات الروحية أو السياسية الفاعلة في الجبل، وعلى وجه التحديد، فإن سماحة الشيخ حكمت الهجري، الرئيس الروحي للطائفة الدرزية، لم يطرح في أي وقت خيار الحكم الذاتي، بل شدد على مبدأ اللامركزية في إطار وحدة الدولة السورية.

“أما نحن في حزب اللواء السوري، فنؤمن بأن مستقبل سوريا لا يُبنى عبر خيارات جزئية أو ردود أفعال مناطقية، بل من خلال مشروع وطني جامع يُعيد إنتاج الدولة السورية كدولة قانون، تعددية، مدنية، تحت مظلة وحدة الأراضي السورية دون أي تجزئة أو تقاسم نفوذ. نحن طرحنا رؤية تقوم على الفيدرالية أو اللامركزية السياسية، ليس كهدف بحد ذاته، بل كأداة لضمان عدالة التمثيل، وحقوق المكونات، وتوزيع متوازن للسلطة والثروة، وكل ذلك ضمن سوريا واحدة، موحدة، حرة ومستقلة، لكننا لا نقرر شكل الدولة منفردين، ولن نقبل أن يُفرض علينا، كما لن نفرضه على غيرنا. ما نطالب به هو عقد مؤتمر وطني سوري جامع، تُشارك فيه كل المكونات السياسية والمجتمعية السورية، تحت مظلة حيادية وطنية، وبإشراف واضح، لنُعيد صياغة العقد الاجتماعي والدستوري من جديد”.

واعتبر أن هذا المؤتمر يجب أن يُنتج أولًا دستورًا وطنيًا جديدًا، يضمن الحقوق والحريات، ويكفل العدالة والمساواة لكل السوريين، ثم يُبنى على أساسه نظام قانوني ومؤسساتي قوي، وبعد ذلك فقط يمكن أن يُقرر بشكل تشاركي، وبحوار حر ومسؤول، ما هو الشكل الأمثل للدولة: فدرالي، لا مركزي، أو غيره — لكن دائمًا ضمن خريطة سوريا الموحدة، وتحت سيادة شعبها لا تحت سلطة السلاح أو الإملاء الخارجي. “باختصار، نحن لا نطرح الانفصال ولا نؤمن به، بل نؤمن بأن أمن الدروز وسلامة مكونات سوريا كلها لا تُبنى إلا في دولة عادلة، حرة، شاملة، يتساوى فيها الجميع أمام القانون، وتُصان فيها الكرامة الوطنية لكل مواطن”.

وأكد أن السويداء لم تكن يوماً عبئاً على سوريا، بل كانت في مقدمة من انتفضوا على الظلم، وقاطعت كل أشكال الاستبداد والعبث السياسي، بما في ذلك انتخابات النظام السابق، ومع سقوط نظام بشار الأسد، لم تنتظر السويداء تعليمات من أحد، بل أعلنت بوضوح أن سوريا الجديدة يجب أن تُبنى على أسس الشراكة، لا الإقصاء، وعلى عقد اجتماعي وطني جامع، لا على غلبة فصيل أو جهة. لكن، ما جرى بعد تسلّم أحمد الشرع للسلطة كشف عن مشروع لا يهدف إلى بناء دولة، بل إلى إعادة إنتاج الوصاية والتفرد تحت غطاء جديد، فقد بدأ التهميش من النص التأسيسي نفسه: “الإعلان الدستوري”، الذي تم تفصيله على مقاس هيئة تحرير الشام، دون مشاورة أو تمثيل فعلي لأي من المكونات السورية، بما فيهم الدروز، الكرد، العلويين، والسنة المعتدلين، وحتى القوى السياسية المستقلة. هذا الإعلان لم يُقصِ السويداء فقط، بل أسّس لحكم لا يُشبه الدولة، بل يُشبه الهيمنة، وعندما رفض، حزب اللواء السوري، والحاضنة الشعبية في السويداء، الانخراط في هذا النموذج الإقصائي، لم يتم التعامل مع الموقف بالحوار، بل بالتحريض والتخوين — تمامًا كما كان يفعل النظام السابق.

وأردف، “بدلاً من مناقشة موقفنا الرافض للتهميش ضمن إطار وطني، لجأت حكومة أحمد الشرع إلى إعادة تدوير نفس الاتهامات القديمة: “تواصل مع إسرائيل”، “السعي للانفصال”، “إنشاء كيان طائفي”. وهذه التهم ليست فقط كاذبة، بل خطيرة، لأنها تُستخدم اليوم كذريعة لتبرير التحريض الطائفي، كما حدث عندما تم تسريب فيديو مفبرك يُسيء للرسول الكريم، وزُجّ باسم أحد مشايخ السويداء فيه، رغم علم الحكومة بكونه مفبركًا، ثم سُمح للجماعات الجهادية المتطرفة بالنزول إلى الشوارع والمطالبة صراحة بإبادة الدروز، دون أن تتحرك الحكومة لوقف هذا الانفجار الطائفي المدبر. الرسالة كانت واضحة: إما الخضوع التام لمشروع الشرع، أو يتم فتح معركة تحريضية، ثم عسكرية، ضد السويداء، وهذا ما يجعلنا نؤكد — وبكل وضوح — أن حكومة الشرع ليست ضحية للظروف، بل هي من تُدير هذا التهميش والتحريض وتؤججه، كأداة ضغط لإخضاع السويداء، وتحديدًا الموقف الوطني المستقل الرافض للوصاية والتفرد”.

وتابع، “إننا لا نقف على هامش الوطن، بل في قلبه. وما نطالب به هو دولة لكل السوريين، لا دولة تُفصّل على مقاس جماعة أو تُدار من الخارج. وإن رفضنا للتهميش هو رفض للعودة إلى مربع الاستبداد، لا دعوة للانفصال، وإن تمسكنا بحقوقنا هو تمسك بوطن يتسع للجميع، لا وطن يُدار بالتهديد والتخوين”.

وعن كيفية إيقاف التوتر في السويداء وبأي شروط يمكن قبول الحوار وتسليم السلاح، أكد أن إيقاف التوتر لا يتم عبر الضغوط أو التهديد، ولا عبر التصعيد العسكري أو التحريض الطائفي، بل من خلال العودة إلى المبادئ التي يُبنى عليها أي وطن حقيقي: القانون، والدستور، والعدالة، والشراكة. لافتًا إلى أن الدروز، وأبناء السويداء عمومًا، لم يحملوا السلاح يوماً طمعاً في سلطة، بل حملوه دفاعًا عن كرامتهم، وعن مدينتهم التي تُركت مكشوفة أمام اعتداءات الجماعات التكفيرية، بينما الدولة، أو من يدّعي تمثيلها اليوم، وقف متفرجًا، أو في بعض الأحيان متواطئاً بالصمت أو بالإشارة. لذلك، فإن أي حديث عن تسليم السلاح لا يمكن أن يُناقش إلا ضمن إطار وطني شامل، يتضمن خطوات واضحة ومُلزمة، أولها الاعتراف بأن ما جرى في السويداء لم يكن تمرداً، بل موقفًا وطنيًا شريفًا ضد الإقصاء والتهميش، ووقف كل حملات التحريض الإعلامي والديني والسياسي التي تُمارس بحق أهل الجبل، والاعتذار عن الترويج لمقاطع مفبركة كانت تهدف لإشعال فتنة طائفية مفتعلة، فضلاً عن إعادة تعريف شكل الدولة على أسس دستورية جديدة، تُبنى من خلال مؤتمر وطني سوري جامع، لا عبر إعلان دستوري مفصل على مقاس جماعة بعينها، وبناء جيش وطني حقيقي يُمثّل جميع السوريين، لا أن يُعاد إنتاج تجربة الاستئثار السابقة، سواءً كانت بيد الأسد أو بيد أحمد الشرع، ومشاركة فعلية لكل المكونات في مؤسسات الدولة من الدروز، إلى العلويين، إلى السنة، إلى الكرد، على أساس الكفاءة والولاء الوطني، لا الولاء الفصائلي أو الإقليمي.

وشدد على أن تسليم السلاح ليس مرفوضاً من حيث المبدأ، لكنه لن يتم في ظل مشروع سياسي لا يعترف بالدروز ولا يرى فيهم شركاء، بل خصوماً يجب إخضاعهم، “إذا أردتم من الدروز أن يعودوا إلى كنف الدولة، فلتكن الدولة حقيقية: دولة قانون، لا دولة مصالح. دولة مواطنة، لا دولة هيمنة. دولة للجميع، لا لدائرة مغلقة تدير البلاد من وراء الستار. بكلمة واحدة: حين تُصبح الدولة دولة، لا عصبة، حينها فقط يمكننا الحديث عن تسليم السلاح، لأنه لن يكون هناك ما يُخشى منه، ولن تكون هناك حاجة إليه”.